فصل: النظر الأول: في مقتضى الإطلاق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


النظر الأول‏:‏ في مقتضى الإطلاق

وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ موجب الإطلاق بعد الزهو استحقاق الإبقاء إلى أوان القطاف، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يتعين القطع عند العقد ‏(‏ولو شرط التبقية امتنع؛‏)‏ لأنه مقتضى العقد في سائر المبيعات إن تحول، ولأنه اشترط منفعة الأصول وهي مجهولة فيكون العقد تناول مجهولاً، تناول مجهولاً‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن مقتضى العقد معارض بمقتضى العادة‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن مثل هذا لا يقدح في العقود، كما لو اشترى طعاماً كثيراً، فإنه يؤخره للزمان الذي يحمل فيه مثله، وبيع الدار فيها الأمتعة تتأخر مدة التحويل منها وإن طالت على جاري العادة، لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه‏)‏ ومنعها إنما هو بالجائحة بعد البيع، وهو دليل التبقية، ويجوز بيع الثمار قبل الزهو بشرط القطع، ويبطل بشرط التبقية؛ لنهيه عليه السلام في الصحيحين ‏(‏أن تباع الثمرة حتى تُشقح، قيل‏:‏ وما تُشقح‏؟‏ قال‏:‏ تحمارُّ وتصفار ويؤكل منها‏)‏ ولأنها معرضة للعاهات قبل ذلك فتندرج في الغرر‏.‏

فائدة‏:‏ قال صاحب ‏(‏الإكمال‏)‏ تشقح الثمرة‏:‏ احمرارها؛ لأن الشقحة لون غير خالص للحمرة أو الصفرة، وتحمار وتصفار‏:‏ للون المائل، وأحمر

وأصفر‏:‏ اللون المستقر، وروى‏:‏ تشقه بسكون الشين المعجمة، والمعروف‏:‏ التحريك مع الحاء والهاء بدل من الحاء نحو‏:‏ مدحه ومدهه، وأزها النخل يزهو إذا احمر أو اصفر، وقيل‏:‏ يزهو خطأ بل يزهى، وقيل‏:‏ أزهى خطأ بل زهى‏.‏

سؤال‏:‏ لِمَ سألوه عليه السلام‏:‏ حتى يُشقح، أو حتى يزهى على اختلاف الروايات مع أنها ألفاظ عربية‏؟‏

جوابه‏:‏ لعلها لغة قبيلة غيرهم، أو مستعارة لحُس الثمرة فيسأل أي حُسنها يريد، أو سألوه احتياطاً للحكم‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ فإن وقع العقد عندنا عن شرط القطع والإلغاء، فظاهر الكتاب‏:‏ الصحة استقراء من قوله في البيوع الفاسدة‏:‏ إذا اشتراها قبل بدو الصلاح جاز البيع، وقاله ‏(‏ح‏)‏ حملاً للإطلاق على العرف الشرعي وقاله اللخمي، وابن محرز، وغيرهما من المتأخرين، وحكى التونسي، والشيخ أبو محمد، والبغداديون عن المذهب‏:‏ البطلان، وقاله ‏(‏ش‏)‏ حملاً للإطلاق على العرف العادي، ولنهيه عليه السلام عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، والنهي يقتضي الفساد إلا ما دل الدليل على جوازه، قال ابن يونس‏:‏ بيعها على هذه الوجوه الثلاثة جائز، عملاً بمفهوم الحديث‏.‏

فائدة‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ ثمر النخل سبعة أقسام‏:‏ طلع ثم يتلقح الخف عنه ويبيض فهو غريض، ثم يخضر فبلح، ثم تعلوه حمرة فزهو، ثم تصير الحمرة صفرة فبُسر، ثم تعلى الصفرة دكنة فينصح فرطب، ثم ييبس فتمر، وإذا أزهى اشتد وصار جذره ‏(‏وامتنع سقوطه وتسلط الآفات عليه‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا اشترى قبل الإزهاء فتركه حتى أتمر أو‏)‏ أرطب فجذه رد قيمة الرطب يوم جذه، قال ابن يونس‏:‏ يريد‏:‏ وإن كان قائماً رده، ولو فات والإبان قائم، وعلم وزنه أو كيله رد مثله؛ لأنه الأصل في رد المتلفات، قال ابن القاسم‏:‏ يريد مكيلة الثمن إن جذه تمراً إن فات، وإلا رده بعينه سواء تركه لهرب أو لدد، أو غيرهما حتى يرطب، وقيل‏:‏ إن تعدى الترك فسخ لعدم القدر، ومتى جهلت المكيلة فالقيمة؛ لأنها في المرتبة الثانية في الغرامات‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا اشترى نخلا فيها تمر مأبور جاز شراؤها بعد ذلك؛ لأنها تغتذي من رطوبات نخل على ملكه، فلا جهالة في المبيع، بخلاف نخل الغير، واختلف فيه قول مالك، وفي شراء مال العبد بعد الصفقة، ولو اشترى الثمرة أو الزرع قبل بدو الصلاح على القطع، ثم اشترى الأصل أو الأرض فله الإبقاء لما تقدم، وإن اشتراها على الإبقاء، ثم اشترى الأصل‏:‏ فالبيع فاسد لمقارنة الشرط المفسد، وإن اشترى الثمرة على الفساد، ثم ورث الأصل من البائع‏:‏ فله

الإبقاء لانتقال الملك إليه، ولو اشتراها قبل الإبار، أو الزرع على الإبقاء، ثم اشترى الأصل أو الأرض قبل الإبار فسخ البيعان؛ لأنه كاستثناء البائع الثمرة قبل الإبار، ولو لم يفسخها حتى أزهت وقبضها المشتري الأصل فقيمتها يوم قبض الأصل، ويرد الأصل؛ لأنه بيع فاسد، ولو اشترى مع الأصل بعد الإبار ردت الثمرة إلى ربها وثبت بيع الأصل، ولو لم يفسخ البيع حتى أزهت في شجر المشتري ‏(‏فهي له، وعليه قيمتها يوم شراء الأصل على الرجاء والخوف؛ لأنه فوت في بيع فاسد، ولو اشترى الأصل بعد زهو الثمرة في‏)‏ الشجر أو بعد فسخ بيع الثمر والزرع وإن اخضرّ، إلا أنه انكشف الغيب أنه على التبقية في ملك الغير، ولو ابتاع الأرض بزرعها في صفقة واحدة، ثم استحقت الأرض قبل استحصاده انفسخ البيعُ، أو بعد استحصاده تم البيع، وكذلك الثمرة تنزيلاً للملك الظاهر منزلة الملك الباطن، وكذلك الثمرة، قال ابن حبيب‏:‏ قال صاحب ‏(‏البيان‏)‏‏:‏ في شراء مال العبد وتمر النخل بعد الصفقة أربعة أقوال‏:‏ الجواز؛ لأن النهي عن البيع قبل بدو الصلاح إنما جاء إذا بقيت الأصول لابن القاسم، والمنع لمالك لظاهر النهي، والتفرقة بين القرب فيجوز؛ لأنه في حكم الوقوع مع العقد، وبين البعد فيمتنع، وفرق أشهب بين ثمر النخل فيجوز مع القرب والبعد، ويمتنع مال العبد مطلقاً لجهالته فلا ينفرد، قال يحيى‏:‏ والقرب نحو عشرين يوماً‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏التلقين‏)‏‏:‏ يمتنع بيع الكتان والقرظ واستثناء حبهما؛ لأنه مجهول‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب ‏(‏البيان‏)‏‏:‏ إذا اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها فضمانها من البائع؛ لأن قبض الأصل ليس قبضاً للثمرة، والبيع فاسد، فإن جذها ضمنها وعليه مكيلتها رطباً، وإن لم تفت ردها، وفسخ البيع، فإن باعها بعد بدو صلاحها‏:‏ قال محمد‏:‏ فوت، وعليه القيمة يوم البيع؛ لأنه يوم التفويت، وعن مالك‏:‏ يوم بدو الصلاح؛ لأنه فوت سابق، وقيل‏:‏ البيع ليس فوتاً‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا اشترى نصف ثمرة بعد بدو الصلاح‏:‏ قال مالك‏:‏ ليس له بيعها حتى يستوفيها؛ لأن نصيبه لا يتعين إلا بالقيمة فأشبه الطعام قبل قبضه، ثم رجع للجواز؛ لأنه ضمن بالعقد‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا اشترى نخلاً في حائط واختلف في شربه، فإن وقع العقد بغير شرط وهو يقدر على سقيه من غير ساقية البائع، فهل يكون السقي على البائع؛ لأنه تبع للنخل كالثمرة الذي لم يؤبر، أو على المشتري ككسوة العبد ومؤنته‏؟‏ قولان لمالك، فإن لم يقدر على سقيه فعلى البائع قولا واحداً؛ لأنه ظاهر الحال، فإن تنازعا ولقول البائع وجه كقدرة المشتري على السقي من غير ساقية البائع كالمعسه على السقي، تحالفا وتفاسخا فإن نكل أحدهما صدق الحالف، وإن لم يكن للبائع وجه صدق المشتري، قاله ابن القاسم؛ لأن الأصل‏:‏ إكمال الشرب، فإن اختلف في الاشتراط عند العقد تحالفا وتفاسخا إن كان

للبائع وجه قاله ابن القاسم، وإلا صدق المبتاع، وقال أصبغ‏:‏ يتحالفان ويتفاسخان مطلقاً؛ لأن الأشبه على المشهور لا يراعى مع قيام المبيع، ولو وهبه إلا عذق صدق الواهب؛ لأن الأصل‏:‏ بقاء ملكه في الماء، والمعارضة قوية تستتبع بخلاف التبرع‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا اشترى بعد الإزهاء واستقال منه عند اليبس منه امتنع؛ لأنه أخذ تمراً في رطب، فإن باعه بدين إلى أجل‏:‏ فهل يجوز أن يأخذ بالدين تمراً إذا يبس‏؟‏ ثلاثة أقوال‏:‏ لمالك‏:‏ الجواز في التفليس وغيره؛ لأنه بيع طعام بطعام، والمنع منها حذراً من بيع الرطب بالتمر ‏(‏إلى أجل‏)‏ وإعطاؤه في ذلك التمر تمر حائطه، والفرق بين التفليس فيجوز؛ لنفي التهمة، وغيره فيمتنع‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إذا اشترى المكتري شجر الدار وهو تبع للكراء، ثم استحقت الدار إلا موضع الشجر ردت الثمرة؛ لأنه ضمها إلى غير ملكه، وإن اشتراها قبل بدو صلاحها على الإبقاء فأبقاها حتى أثمرت فضمانها من البائع ما دامت في رءوس الشجر، وإن مكنه البائع من قبضها عند ابن القاسم؛ لأنه بيع فاسد لم يقبض لبقائه في أصول البائع، وعن ابن القاسم‏:‏ ضمانها من المشتري؛ لأن الشجر تبع للدار، وإذا ردت للبائع فعليه السقي والعلاج

والجذاذ؛ لأن المشتري غير متبرع، قال‏:‏ وينبغي جريان الخلاف الذي في قولهم إذا اشترى آبقاً فجعل فيه جُعلاً ثم انفسخ البيع هل يغرم الجُعل أم لا‏؟‏ لأنه إنما طلب لنفسه، أو هو غير متبرع، بل أنفق بناء على تقدير ظهور بطلانه‏.‏

فرع‏:‏

وعن ابن الكاتب‏:‏ إذا اشترى الثمرة على البقاء فجذها قبل زهوها وعليه قيمتها يوم الجذاذ، بخلاف استهلاك الزرع قبل بدو الصلاح عليه قيمته على الرجاء والخوف، والفرق‏:‏ أن رب الثمرة أذن في التصرف، ولأن البيع الفاسد يضمن بوضع اليد، وقيل‏:‏ عليه قيمة الثمرة على الرجاء والخوف؛ لأن البائع باعها على البقاء فصار المشتري متعدياً بالجذاذ، قال أبو الطاهر في نظائره‏:‏ وإذا اكترى داراً وفيها شجرة، فإن كانت طابت جاز شراؤها قلت أو كثرت، أو لم تطب جاز بأربعة شروط‏:‏ أن تكون ثلث الكراء فأدنى ويشترط جملتها، ويكون رطباً قبل انقضاء الأجل، ويكون القصد باشتراطها رفع المضرة في التصرف، قال ابن يونس‏:‏ إذا لم يكن بيعاً واشترطها فسدت الصفقة كلها، وإن أزهت صحت وفيها الجائحة إن كانت ثلث ما ينوب الثمرة من الثمن، وكراء الدار والأرض في ذلك سواء‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا اشترى الثمرة قبل الزهو، والشجر في صفقتين‏:‏ فإن بدأ بالشجر صح، وله الإبقاء، إلا أنه منتفع بملك نفسه، ومنع المغيرة وغيره

سداً للذريعة، ولو باع الشجر وحده ولم يشترط قطع الثمرة صح؛ لأن المبيع هو الشجر، ولا محذور فيه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ بدو الصلاح في البعض كاف؛ لأن الغالب التقارب، وقاله الأئمة لكن بشرط اتحاد الجنس دون النوع، والبستان، بل يبتاع بطيب البستان المجاور له؛ لأنه في حكم الاتحاد لو هد الجدار، وقيل‏:‏ يشترط اتحاد البستان، وقاله ‏(‏ش‏)‏؛ لأن اختلاف السقي والعلاج يوجب اختلاف الطيب وتعجيله، وقال القاضي أبو الحسن‏:‏ إذا بدا صلاح جنس من الثمار في بستان منه نخلة، أو عذق في نخله، جاز بيع جميع بساتين البلد لاشتاكها في الهواء المنضج، إلا أن يكون ذلك باكورة، فلا يباع غيره بطيبه‏.‏

فائدة‏:‏ العَذق بفتح العين المهملة وسكون الدال المهملة‏:‏ العرجون، وبكسر العين‏:‏ النخلة، فالأعلا للأعلا، والأسفل للأسفل‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا كانت تطعم بطنين في سنة ففي جواز بيع الثانية بطيب الأولى قولان، المشهور‏:‏ المنع، قال صاحب ‏(‏البيان‏)‏‏:‏ إذا لم يطب الشتوي حتى ينقضي الصيفي لا يباع بطيبه اتفاقا إلا أن يكون يسيراً تبعا، فقيل‏:‏ يجوز، ومنعه سحنون؛ لعدم الضرر في تأخيره لعدم اجتماع النخل في السقي، فلو أراد المشتري التفرد لنفسه، وشرط والتزم السقي، جاز كالثمرة في الدار، قال ابن يونس‏:‏ ثلاثمائة شجرة فيها شجرة شتوية لا تباع مع

الصيفي وإن تأخر طيبه إلى أزهاء الشتوي‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب ‏(‏البيان‏)‏‏:‏ إذا اشترى رطباً فادعى دفع الثمن بعد قبض الرطب صدق الرطاب؛ لأن الأصل‏:‏ عدم القبض، أو قبل القبض‏:‏ فثلاثة أقوال يصدق البائع يصدق المشتري؛ لأن البائع مفرط بالدفع أولاً؛ لأنه أئتمن المشتري، والأمين مصدق، والقولان لمالك، ويصدق المبتاع فيما العادة فيه قبض الثمن لابن القاسم عملا بالعادة، وهذا فيما يباع في الأسواق، وأما الكثير فيصدق البائع إلا أن تطول المدة، وفيه خلاف‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا اشترى حائطا غائبا بالعدد جاز؛ لأن العدد كالصفة، وكذلك إذا عاينه على الزرع، وقيل‏:‏ يمتنع كنخلات من حائط، وأذرع من دار، وعلى الجواز فالضمان من البائع على المشهور، وقال ابن القاسم‏:‏ على المبتاع‏.‏

فرع‏:‏

قال المازري‏:‏ يجوز بيع المقائي والقصيل ونحوها مع الخلفة، خلافاً لـ ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏.‏

قاعدة‏:‏ الغرر ثلاثة أقسام‏:‏ ما أجمع الناس على منعه، كالطير في

الهواء، والسمك في الماء، وما أجمع الناس على جوازه كطعن الحبة وأساس الدار، وما اختلف الناس فيه هل يلحق بالأول أو الثاني‏؟‏ كبيع الغائب على الصفة، وهذه المسألة فيما يقولان، الخلفة مجهولة وغرر فيمتنع، ونحن نقول‏:‏ هو غرر تدعو الضرورة إليه لتعدد التمييز في المقائي، وحفظ المالية في الجميع، فإن اشترى الخلفة قبل أن تخلق بعقد منفرد امتنع للجهالة وعدم التبعية التي يغتفر فيها ما لا يغتفر في الاستقلال، أو بعد العقد على أصلها وحدها فقولان، نظراً إلى إلحاق هذا العقد بما تقدم، أو هو منفرد فيمتنع‏.‏

تمهيد‏:‏ قال صاحب ‏(‏المنتقى‏)‏‏:‏ النبات المخلف ثلاثة أضرب‏:‏ لا تتصل بطونه كالنخل والورد ونحوهما فلا يباع بطن حتى يبدو صلاحه، وضرب تتميز بطونه وتتصل، كالقصيل والقصب والقرظ، فإطلاق العقد يقتضي الموجود فقط؛ لأنه العادة، فإن اشترط الخلف‏:‏ ففي الجواز روايتان عن مالك نظراً إلى إسناده للجذة الأولى، واستقلالها بنفسها، وعلى الجواز يشترط أن تكون مأمونة من جهة السقي وغيره، وهل يجوز بيعه حتى يفنى، منعه مالك للغرر، وقيل‏:‏ يجوز؛ لأنه معلوم عادة، والخضر كلها كالقرظ، وجوز ابن مسلمة بيع الموز سنين، وكرهه مالك‏.‏

الضرب الثالث‏:‏ لا تتميز بطونه كالقاثي فيمتنع بيعه بطوناً معدودة لعدم الانضباط، بل يرجع في انتهائه إلى العادة إذا طلب البائع أرضه‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إنما يجوز اشتراط الخلف في القصيل والقرظ والقصب إذا بلغ الجذاذ للعلف إن كانت مأمونة لا يخلف، ويجوز جذة وجذتين إذا لم يشترط تركه حتى يصير حباً؛ لأن ذلك غير منضبط، وإن لم يشترط ولكن عليه الحب

في اشتراط الخلفة قوم ما رعى بقدر تشاح الناس، ولا ينظر إلى غرر نبات أوله أو آخره، ويرد من الثمن بقدر القيمة، ولا يجوز بيعه قبل بلوغ الرعي والحصاد؛ لأنه بدو صلاحه، ولا يجوز شراؤه حينئذ بشرط التنقية حتى يتحبب، أو يتركه شهراً إلا أن يبدأ الآن في فصله فيتأخر شهراً، قال ابن يونس‏:‏ جوز ابن حبيب اشتراط الخلفة في بلد السقي دون بلد المطر؛ لعدم المؤنة، وقال سحنون‏:‏ إذا غلبه الحب فالقيمة يوم الصفقة على أن يقبض في أوقاته‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ لو طلب الإقالة فامتنع فقال‏:‏ لا يتركه حتى يصير زرعا‏:‏ أمر بفصله؛ لأنه ضرر على البائع، فإن أخره حتى صار حباً فلا بيع بينهما؛ لأنه لم يبعه حباً، وكذلك لو تحبب ولم يقض عليه، وقيل‏:‏ إنما يقع التقويم إذا غلبه في الخلفة إذا جذ الرأس كله، وأما في الدائر فلا؛ لأنه إن غلبه في جملتها انتقض البيع بغير تقويم، أو في جذة رجع من الثمن بقدره وهو خلاف المذهب، قال صاحب ‏(‏النكت‏)‏‏:‏ إنما يجوز اشتراط الخلفة إذا لم يجذ الرأس حتى اشترى الخلفة؛ لأنه غرر نافع، أما بعد الجذ فلا، قال اللخمي‏:‏ أجاز في ‏(‏الكتاب‏)‏ بيع الخلفة ممن اشترى الرأس بعقد بانفراده إذا كانت مأمونة فمنع محمد في صفقة واحدة، وجوز في صفقة أخرى؛ لأنه يجوز لضرورة، والضرورة لا تتعدى، ومنع من بيع ما يطعم شهراً لاختلافه في القشرة لكثرة الجذ وقلته، قال‏:‏ ويلزم على قوله منع بيع الجميع؛ لأنه يأتي عليه شهر، وعلى الجواز يجوز في الشهر، فإذا انقضى لم يكن له الصغير، فإن باع أول بطن فله ما يقال‏:‏ إنه من هذا البطن‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يمنع من بيع القصيل إذا صلح للرعي على أن يتركه حتى يتحبب أو شهراً إلا أن يبدأ في قصله ويتأخر شهرا وهو دائم فيه، بخلاف الثمر بعد طيبه؛ لأن الزرع يزداد ببقائه نباتا، والتمر إنما تقوى حلاوته، وأيضاً فالزرع يبقى فهو شراء معين إلى أجل والجائحة فيه من البائع، وكذلك صوف الغنم يمتنع اشتراطه حتى يتناهى، ويجوز بيع بقل الزرع على رعيه مكانه، ويمتنع اشتراط بقائه حتى يصير قصيلاً؛ لأنه يزيد نباته‏.‏

تنبيه‏:‏ قال اللخمي‏:‏ يجوز بيع الثمار قبل الصلاح بثلاثة شروط‏:‏ أن يكون منتفعا بها؛ لنهيه عليه السلام عن إضاعة المال، وتدعو لذلك حاجة، وإلا فهو من باب إفساد الثمرة وقطعها عن غايتها المطلوبة منها، فلا يجوز إلا لحاجة، وأن لا يتمالأ عليه أكثر أهل البلد لئلا يعظم الفساد في ذلك‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ ويجوز بيع الثمار على التبقية إذا اشترط الضمان على البائع ولم ينقد، واختلف في إطلاق العقد بعد بدو الصلاح هل هي على البقاء إلى اليبس أو على القطع‏؟‏ قاله ابن حبيب؛ لأن الأصل في المبيعات‏:‏ التقابض إلا بشرط، أو كانت عادتهم التأخير، أو كان البيع فيها على الكيل بعد اليبس‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ ولا يجوز عيب ولا غيره من الزرع والفواكه حتى يبدو صلاحه،

وصلاح الزرع أن يبيض عند مالك، وقال غيره من العلماء‏:‏ حتى يفرك‏.‏

لنا‏:‏ نهيه عليه السلام عن بيع الزرع حتى يبيض ويأمن من العاهات‏.‏ في مسلم، فإن بيع بعد الإفراك واشترط المشتري أخذه يابساً، قال مالك‏:‏ إذا جذ ذلك وفات مضى، وقال أيضا‏:‏ يفسخ وإن تبين، وهذا الخلاف جار سواء كان جزافاً أو كيلا، وكذلك الفول والحمص يباع أخضر قد امتلأ حبه، قال ابن القاسم‏:‏ لا يفسخ للخلاف فيه، وفسخه ابن عبد الحكم وإن تبين، قال‏:‏ وأرى إن كان السقي بالعيون فهو مأمون يصح العقد، وكذلك الدوالي، وإن كان بالمطر وعدم الماء يضره لم يصح‏.‏

قال محمد‏:‏ صلاح الزيتون باسوداده والفجل واللفت والبصل والجزر والثوم المغيبة في الأرض يباع إذا استوى ورقه ولم يكن فيه فساد، فإن كشف أو قلع ووجد شيء منه بخلاف ما رأى رد بحسابه من الثمن، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ صلاح الثمار طيبها أو مبادئ الحلاوة‏.‏

النظر الثاني فيما استثني من بيع الثمار وهو العرايا

ويتجه النظر في معنى لفظها، ووجه استثنائها، وحقيقتها، وقدرها، ومحلها، وكيفية بيعها، وسبب الرخصة فيها، فهذه سبعة أبحاث‏:‏

البحث الأول‏:‏ في معنى لفظها‏:‏ والعرايا جمع عرية، وفيها سبعة أقوال، قيل‏:‏ من تعرى النخلة من تمرها بالهبة، وقيل‏:‏ من عروت الرحل أعروه‏:‏ إذا طلبت معروفه وهي معروف، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر‏)‏

وأصله‏:‏ المكان المنكشف الفارغ، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فنبذناه بالعراء‏)‏ أي‏:‏ بالمكان المنكشف الفارغ، ومن منح ماله فقد فرغ ملكه منه، قال المازري‏:‏ العرية النخلة يعرى ثمرها للمحتاج، وقيل‏:‏ لأنها تعرى من المساومة عند البيع، وقيل من العارية

؛ لأن النخلة ترجع بعد الانتفاع بها، ويرد عليه‏:‏ أن أصل العارية عودته، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً فصارت عارية، من قولهم‏:‏ عاورت فلاناً أي‏:‏ ناولته وناولني، وفعلها‏:‏ أعاره يعيره، والفعل من عرية الثمار‏:‏ أعراه يعريه فيمتنع أن يكونا من معنى واحد، مع أنه قد قيل‏:‏ العراية من العار، قال صاحب ‏(‏الإكمال‏)‏‏:‏ العرية مشددة الياء، وهي فعلية وفعيل، وفعيلة تكون بمعنى فاعل وبمعنى مفعول كرحيم وعليم بمعنى راحم وعالم، وقتيل، وجريح بمعنى مجروح، ومقتول، فالعرية قيل‏:‏ معناها من الطلب فتكون مفعولة أي‏:‏ عطية، وقيل‏:‏ من عروت الرجل أي‏:‏ أتيته، فتكون مالية؛ لأنها على هذا فاعلة لخروجها عن مال ربها وتعريه عنها، فتكون فاعلة أي‏:‏ خارجة ومعرية لربها أي‏:‏ عريت من التحريم، وقيل‏:‏ معناها من الانفراد عريت النخلة إذا أفردتها بالبيع أو الهبة، وقيل‏:‏ الثمرة إذا رطبت؛ لأن الناس يعرونها للالتقاط فتكون مفعولة‏.‏

تمهيد‏:‏ في أسماء أنواع الإحسان في اللغة‏:‏ العرية‏:‏ هبة الثمار في النخل والأشجار، والعارية تمليك المنافع والإفقار‏:‏ إعارة الظهر من بعير أو غيره للركوب، مأخوذ من فقار الظهر، وهو عظام سلسلة الظهر، والمنحة

والمنيحة‏:‏ تمليك لبن الشاة مدة تكون عنده يحلبها، والهبة‏:‏ تمليك الأعيان طلبا للوداد، والصدقة‏:‏ تمليك الأعيان للثواب عند الله تعالى، والسكنى‏:‏ هبة منافع الدار مدة معينة، وهو أحد العارية، والعمرى‏:‏ تمليك منافع الدار عمره، والرقبى‏:‏ تمليك منافع الدار إلى أقربهما موتاً، كأن كل واحد منهما يرتقب موت صاحبه، والوصية‏:‏ تمليك الأعيان أو المنافع بعد الموت، والوقف والحبس‏:‏ تمليك الموقوف عليه أن ينتفع بالأعيان، لا تمليك المنافع، وفرق بين تمليك المنفعة، وبين ملك أن ينتفع ففي الأول‏:‏ له نقل الملك في الانتفاع لغيره، وفي الثاني‏:‏ ليس له ذلك كالجلوس في المساجد للصلاة، وفي الطرقات للمعاش، وليس له بيع ذلك ولا تحجيره، والنفح، والعطاء والإحسان، والتمليك، والمعروف تعم هذه الأنواع الأحد عشر‏.‏

البحث الثاني‏:‏ في وجه استثنائها، قال صاحب ‏(‏التنبيهات‏)‏‏:‏ هي مستثناة من أربعة أصول محرمة‏:‏ المزابنة، والطعام بالطعام إلى أجل، وغير معلوم التماثل، والرجوع في الهبة‏.‏

البحث الثالث‏:‏ في حقيقتها في المذهب، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ قال القاضي أبو الوليد‏:‏ هي هبة ثمرة نخلة أو نخلات من الحائط، قال القاضي أبو الوليد‏:‏ هذا على مذهب أشهب وابن حبيب دون ابن القاسم، بل معناها عند ابن القاسم‏:‏ أن يعريه الثمرة على أن المعرى ما يلزمها إلى بدو صلاحها، ولفظ الهبة عنده لا يقتضي هذا؛ لأنه يفرق بين الهبة والعرية في السقي والزكاة فيجعلها على المعرى بخلاف الهبة، وغيره يخالفه على ما يأتي إن شاء الله تعالى‏.‏

وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ تجوز عرية النخل والشجر قبل أن يكون فيها ثمر عاما، ومدة العمر، قال اللخمي‏:‏ يجوز في قليل الشجر وكثيره ما لم يكن الشجر لم يبلغ

الإطعام؛ لأنه مكايسة، لأنه يعجل ليعطى في المستقبل، فإن نزل وفات بالعمل‏:‏ فللعامل أرجة مثله في العمل حال صغرها وإثمارها، والثمرة للمعطى إلا أن يعلم أنها تثمر تلك السنة فيجوز، ويدخلان على أن الكلفة في السقي وغيره على المعطى‏.‏

البحث الرابع في قدرها‏:‏ قال اللخمي‏:‏ يجوز في خمسة أو سق، ويمتنع الأكثر، واختلف في الخمسة، لما في الصحاح‏:‏ أرخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أو سق، أو في خمسة أو سق‏.‏ فورد الحديث بصيغة الشك من الراوي في الخمسة، قال‏:‏ والمنع أحسن؛ لأنه الأصل فيها، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ المشهور إباحة الخمسة اعتبارا بنصاب الزكاة بجامع المعروف، وبه نجيب عن اعتبار أحد الاحتمالين، مع أن الراوي شك فيما رواه، ونقول‏:‏ قوله وأرخص في العرايا في الحديث الآخر عام إلا ما خصه الدليل، وعن ‏(‏ش‏)‏‏:‏ قولان في الخمسة كقولي مالك‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا نقد المشتري أو البائع جاز في الزائد على الخمسة، وإن اتحد الشق الآخر، فإن اتحد أو تعددت الحوائط وقد أعراه من كا حائط

قدر العرية‏:‏ قال الشيخ أبو محمد‏:‏ هي كالحائط الواحد نظراً لاتحاد المعرى فيمتنع في الزائد، وقال اللخمي‏:‏ يجوز أن يشترى من كل واحد خمسة أو ست؛ لأن كل حائط يختص بضرورته، وقال ابن الكاتب‏:‏ إن كانت بلفظ واحد، فكالحائط الواحد، كبيع المتعددات بلفظ واحد، فإن العقد والحكم واحد، وإلا امتنع‏.‏

البحث الخامس‏:‏ في محلها، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ هو على المشهور كل ما ييبس ويدخر من الثمار؛ لأن هذا الوصف ضابط معروف الزكاة، وهو وارد في محل النص فيغلب على الظن أنه ضابط معروف العرية، وأناط الأصحاب به الحكم وجوداً وعدماً حتى منعوا البيع فيما لا يثمر من الرطب وما لا يتزبب من العنب، وقيل‏:‏ يقصر على النخل والعنب؛ لأنهما مورد النص اعتماداً على أن الرخص لا يقاس عليها، قال اللخمي‏:‏ جوزها محمد في المدخر وغيره؛ لأنها أبيحت للمعروف أو لنفي الضرر عن رب الحائط بتكرر المعرى عليه، وهذا الوصف عام فيعم الحكم موارده إلا أنه كرهه فيما لا يدخر، وأمضاه بالقبض، وجوزها ‏(‏ش‏)‏ في جملة الأشجار كإبدال الدنانير بالدنانير لعموم المعروف في ذلك الموارد‏.‏

وجوابه‏:‏ ما في بعض طرق الحديث‏:‏ أرخص عليه السلام في بيع العربة يأكلها رطبا، وعن ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ نهى عليه السلام عن المزابنة

وأرخص في العرايا‏:‏ النخلة والنخلتان، يوهبان للرجل يبيعها بخرصها تمراً‏.‏ فصرح بالرطب، ولأنه عادة المدينة، وله أن يجب عن الأول بأني أثبت العموم بالقياس لا بالنص، كما عمم في المدخر، وعن الثاني بمنع كونه حجة على أصله‏.‏

البحث السادس في كيفية بيعها‏:‏ وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ أرخص للعمرى أن يشتري الثمرة إذا أزهت بخرصها يابساً إلى الجذاذ، فإن كانت أكثر من خمسة أوسق امتنع بيعها بتمر نقداً وإلى أجل بطعام يخالفها إلى أجل؛ لأنه بيع الطعام بالطعام بسببه، ويجوز له ولغيره شراء ما أزهى، وإن كثر بالعين والعرض نقدا وإلى أجل لعدم المحظور بالطعام المخالف لها نقداً؛ لأن النسأ في الجنس وغيره حرام، ويتعجل جذاذها، فإن تفرقا في الطعام قبل القبض والجذاذ امتنع للنسأ في الطعام، قال صاحب ‏(‏التنبيهات‏)‏‏:‏ يجوز شراؤها بخرصها بعشرة شروط‏:‏ أن يكون مشتريها معريها لاختصاص الضرر به، وأن تطيب حتى تؤمن الآفات والثمر ثمرة؛ لأنه مورد السنة، وبخرصها؛ لأن العدول عنه يؤكد عدم التماثل، ويتحد النوع؛ لأنه المقصود بالخرص، وحذراً من المكايسة، وأن تكون إلى الجذاذ، فهذه الستة متفق عليها عندنا، وأن تكون باسم العرية؛ لأنه مورد السنة، وأن يكون خمسة أوسق فأقل، وأن يشتري جملة ما أعرى لئلاً لنفي الضرر بعد ارتكاب الحظر، وأن يكون مما ييبس ويدخر، وهذه الأربعة مختلف فيها، قال صاحب ‏(‏المقدمات‏)‏‏:‏ يشترط أن يكون التمر من نوعها وصنفها، ويستوي معريها ومن صار إليه تمر الحائط، وأن يكون باسم العرية عند ابن القاسم، قال صاحب‏(‏المنتقى‏)‏‏:‏ إذا انتقلت العرية ببيع أو هبة

أو ميراث جاز لهم بيعها كما كان ذلك، فإن كانت له المشاركة اللاحق السابق في الضرر‏:‏ قال صاحب ‏(‏الإكمال‏)‏‏:‏ وجوزه ‏(‏ش‏)‏ من الأجنبي، ويرد عليه قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏يأكلها أهلها تمراً‏)‏ فنبه على العلة وأنها رفق أهلها، وقد روي‏:‏ أُرخص في بيع العرية بالرطب وبالتمر‏.‏

وجل الأحاديث لم يذكر فيها إلا التمر، فيحمل قوله‏:‏ رطباً أو تمراً على شك الراوي، ووقع خارج مسلم بخرصها رطباً بغير شك، غير أنه انفرد به رواية، وعن مالك‏:‏ يجوز بخرصها وبغيره، وعنه‏:‏ لا يجوز بغيره تقديماً للقياس على الخبر، ولقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏العائد في الهبة كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه‏)‏ وعنه‏:‏ عكسه؛ لأنهما رخصه فلا يُتعدى بها محلها، قال الطرطوشي‏:‏ ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ على بيع العرية في الجملة وخالفنا في تأخير الثمن، وفي بيعها من الأجنبي، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ بيعها حرام، وإنما هو رجوع في الهبة على أصله‏:‏ أنه لا يجوز لكل أحد الرجوع في هبته إلا الوالد فهو يرجع في هبته عنده، وإعطاؤه تمراً تطييباً

لقلبه، وحمل الأحاديث على هذا، أولى من حملها على مخالفة الأصول أو على أنه كان وقت إباحة الربا، أو لأن خبر الواحد إذا خالف الأصول يترك للقياس، أو يمتنع بالقياس على الحَب، أو نقول‏:‏ إذا امتنع على الأرض فعلى رءوس النخل أولى، والجواب عن الأول‏:‏ أن الخبر يدل على أنه بيع لا فسخ للهبة من وجوه خمسة‏:‏ أحدها قوله‏:‏ ‏(‏أرخص‏)‏ والرجوع عندكم في الهبة ليس رخصة، ولقوله‏:‏ نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع التمر بالتمر، وإنما أرخص في بيع العرايا، والمستثنى منه بيع حقيقة فكذلك المستثنى؛ لأن الأصل في الاستثناء أن يكون متصلاً، ولأن الرخصة تقتضي تقدم حظر، وإنما يتصور في البيع لا في الهبة، ولقوله عليه السلام‏:‏ خرصا، وفسخ الهبة لا يحتاج للخرص، بل يجوز التعويض بالقليل والكثير وبغير شيء، وخامسها‏:‏ لتخصيصه بخمسة أوسق وفسخ الهبة لا يختص، ولأن هذه المعوضة تفتقر لتراضيها وفسخ الهبة لا يحتاج لذلك، وعن الثاني‏:‏ أنه فسخ بمجرد الاحتمال فيمتنع ثم أتى قوله‏:‏ نهى عن بيع التمر بالتمر إلا أنه أرخص في بيع العرايا، ومقتضى الرخصة تقدم الخطر، ولأنه لو كان الربا مُباحاً لما قدر بخمسة أوسق، وعن الثالث‏:‏ أن الخبر في نفسه أصل فلا تترك الأصول ولا تفسخ بالقياس، وعن الرابع‏:‏ أنا نقول به في الحبوب، وإنما يمتنع بيعها بالخرص حيث يتعذر الخرص، وعن الخامس‏:‏ أن بيعه على النخل لدرء ضرورة التكرر للحائط وهي منفية إذا كان على الأرض، واحتج ‏(‏ش‏)‏ على وجوب

التعجيل‏:‏ بأن التأخير ينافي الطعام‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب ‏(‏المنتقى‏)‏‏:‏ من له في حائط نخلة جوّز ابن القاسم شرائها منه للمعروف‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ ولا تباع العرية بالبسر ولا بالرطب بل بنوعها من التمر‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب ‏(‏النكت‏)‏‏:‏ جوز الشيخ أبو الحسن إذا اشتراها بخرصها أن يعطيه غير صنفها؛ لأنه معروف يشبه القرض، والقرض يجوز فيه ذلك‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ يمتنع شراؤها بأدنى من نوعها؛ لأنه مكايسة مناقض للمعروف الذي خولفت الأصول لأجله، فإن كان أحمد يقصد رفع الضرر امتنع؛ لأنه مكايسة أو للمعروف جاز؛ لأنه معروف، وإن باعها بخرصها قبل بدو الصلاح نقص إن كانت قائمة، فإن فاتت بالجذاذ وجهلت المكيلة فالقيمة، ومصيبتهما في رءوس النخل من البائع، لنهيه عليه السلام عن بيع التمر حتى يزهو على أصل ابن القاسم، وعلى أصل أشهب في عدم الجائحة فيها في

البيع الصحيح يكون عل المعرى قيمتها؛ لأنها في أصوله وسقيه فهي كالمقبوضة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ بيع العرية بغير جنسها من الطعام على ثلاثة أوجه‏:‏ إن بيعت قبل الطلوع، أو بعده وقبل التأبير جاز نقداً أو مؤجلاً؛ لأنه يتحلل بذلك الرقاب كانت سنة أو سنتين، وكذلك المؤبرة التي لا تراد للأكل، وهي عام واحد، فإن أُريدت للأكل امتنع على قول ابن القاسم إلا أن يجد ويقبض التمر بالحضرة؛ لأنه نسيئة في الطعام وعلى قول أشهب‏:‏ يجوز إذا قبض العوض، وإن لم يجد الثمرة إن لم يمؤخر لبدو الصلاح، وإن كانت سنين وفيها الآن ثمرة مأبورة، قال‏:‏ أرى أن تفرد هذه بعقد، وإن لم يبع الجميع في عقد، وهذه يسيرة تبع جاز نقداً ومؤجلاً بالجنس وغيره؛ لأنه يتحلل الرقاب، فإن بدا صلاحها - وهي عام واحد - امتنع تأخير العرض عن العقد، ويختلف في تأخير الجذاذ منعه ابن القاسم نفياً للنسأ في الطعام، ويجوز على أصل أشهب؛ لأنه لا يرى فيها جائحة، وسقيها عليه فهي مضمونة من المشتري وشراؤها بالنقدين والعروض نقداً ومؤجلاً جائزاً إذا لم يؤبر كانت سنة أو سنتين، ويجوز في المأبورة بشرط الجذاذ قبل صلاحها؛ لأنه قادر على بيع الرقاب، فإن كانت أعواماً جاز شراء الجملة إذا شرط جذاذ هذه الثمرة‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إذا تطوع بتعجيل الخرص قبل الجذاذ جاز؛ لأنه معروف، قال ابن الكاتب‏:‏ وعلى هذا لو مات المعرى قبل يبسها أخذ من تركته خرصها؛ لأنه دين عليه، وعلى قول ابن القاسم‏:‏ له إجباره قبل الأجل على القبض؛ لأنه جعله كطعام من قرض، قال‏:‏ والصواب عدم الإجبار؛ لأنه بيع‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ يمتنع بيعها بعجوة من صنفها من حائط آخر معين؛ لأنه كالسلم في المعين، وإنما يجوز في الذمة، قال المازري‏:‏ فإن وقع فقيل يفسخ للفساد، وقيل‏:‏ لا يفسخ بل يفسخ التعيين، وتنتقل الثمرة للذمة إلى أجله؛ لأنه منشأ المفسدة‏.‏

فرع‏:‏

قال المازري‏:‏ يجوز اشتراط ثمر أجود؛ لأنه أبلغ في المعروف، وإن كان لدفع الضرر فلا‏.‏

تمهيد‏:‏ قال المازري‏:‏ العرية دائرة بين القرض؛ لأنها معروف، وبين البيع لأنها معاوضة، ويتخرج على هذا بيع التمر الذي اشترى به العرية قبل قبضه، وبالجواز قال الشيخ أبو الحسن بن القابسي؛ لأن للمعري أن يدفع عين المشترى فيما عليه، كما أن للمقترض دفع ما أخذ فيما عليه، بل المقترض ليس له دفع ما أخذ إذا تغير، والمعرى له دفع ما اشترى، وإن تغير الثمر فهو أوسع من القرض، وقيل‏:‏ يمتنع؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه، ويتخرج على هذا الأصل‏:‏ جبر المعري على قبض المعرى قبل الجذاذ ووضع الجائحة في العارية‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إذا اشترى خمسة أوسق بخرصها وبقية العرية بذهب ففي الجواز قولان، والصحيح‏:‏ المنع؛ لأنها رخصة لا تجتمع مع غيرها، كالبيع مع المساقاة‏.‏ ومع الإقالة من الطعام قبل قبضه مع بيع سلعة أخرى‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال أبو عمران‏:‏ يمتنع شراؤها قبل طيبها إذا كانت سنين بالعين والعرض، وقال غيره‏:‏ إذا طالت السنون جاز، فعلى هذا يدفع له العوض كل عام بخرص، قال ابن شعبان‏:‏ إن كانت حياة المعرى جاز شراؤها بالعين للضرورة، وأما بالعرض فلا‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا اشتراها بخرصها فالزيادة عند الجذاذ، والنقصان على البائع‏.‏

فرع‏:‏

إذا أعرى جماعة‏:‏ قال المازري‏:‏ إذا أعرى جماعة أجاز مالك شراء جميعها من جميعهم، وإن فات كل واحد خمسة أوسق بعد أن توقف فيها، ويجوز شراء نصيب أجدهم وهو خمسة أوسق فأقل على التعليل بالمعروف، أو دفع الضرر؛ لأنه قد يتضرر من أحدهم دون غيره، وإذا أعرى جماعة واحداً فلهم شراء العرية منه لقصد المعروف ودفع الضرر، وأجاز ابن القاسم لأحدهم شراء ما أعراه على أصله في التعليل بدفع الضرر أو المعروف، ومنع عبد الملك؛ لأن العلة عنده دفع الضرر وهو باق‏.‏

البحث السابع في سبب الرخصة‏:‏ وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ فيه ثلاثة أقوال‏:‏ المعروف ليحفظها له، ويحمل عنه الجذاذ، ودفع الضرر عن المشتري بدخول البائع وخروجه، وتوقع أذيته وكشفه للعيال في البستان، وهو قول مالك وابن القاسم في ‏(‏الكتاب‏)‏ وجوز عبد الملك لدفع الضرر دون المعروف؛ لأن الغاية إنما هي بدفع الضرر غالباً‏.‏

قاعدة‏:‏ إذا ورد الشرع بحكم في محل‏:‏ فإن تعذرت معرفة حكمته فهو تعبد، وإن أمكنت من أوصاف مذكورة في النص فهو تنقيح المناط، كحديث الأعرابي في إفساد الصوم، ومن أوصاف غير مذكورة كتحريم الخمر وهو تخريج المناط، ثم إن وجدنا وصفاً واحداً جعلناه كمال العلة وأوصافاً كلها مناسبة جعلنا المجموع علة، إلا أن يومئ الشرع أو ينص على كل واحد منها بالاستقلال، فيكون كل واحد علة، فإن اجتمعت الأوصاف ترتب الحكم عليها أو انفرد أحدها ترتب الحكم عليه، وهذا هو الفرق بين العلة المركبة من أوصاف، وبين أوصاف كل واحد منها علة، وهاهنا إنما الشرع للضرر من جهة أنه السبب الذي كانت الجاهلية تشتري لأجله العرايا فقرره الشرع، ويؤكده‏:‏ رخصه المساقاة، والقراض، وأكل الميتة، وإساغة الغصة بالخمر والقصر والفطر في السفر، كلها لدفع الضرر، وإيماؤه للنفع والمعروف بقوله من جهة القياس على القرض بجامع بذل عين في مثلها، وجواز رد عين المأخوذ فلا جرم اعتبر المشهور إحدى العلتين لا بعينها اجتمعتا أو افترقتا، لدلالة الأدلة الشرعية على اعتبار كل واحدة منهما، ورجح عبد الملك مناطه بكثرة وجوه القياس والاعتبار، قال في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ ويتخرج على تحقيق العلة شراء بعض العرية،

وشراؤها إذا كانت جملة الحائط وهي خمسة أوسق، وإذا أعرى جماعة عرية شراء حصته‏.‏

تنبيه‏:‏ قال المازري‏:‏ ألزم الأشياخ مالكاً وابن القاسم على التعليل المعروف‏:‏ جواز شرائها لغير من أعراه لقصد المعروف كقول ‏(‏ش‏)‏، قال‏:‏ وليس بلازم؛ لأن المعروف يعتبر معه تقدم حق المشتري، والأجنبي لم يتقدم له حق‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا أعرى ثم باع بقية ثمرة من رجل، وأصل الحائط من آخر جاز له شراء العرية على التعليل بالمعروف، ويمتنع على التعليل بالضرر، قال اللخمي‏:‏ إذا باع الثمار دون الأصل، أو الأصل دون الثمار، أو الثمار من رجل، والأصل من آخر، يخرج على التعليل، ويجوز شراؤها لمن انتقلت إليه الثمرة لصحة المعروف، ودفع الضرر منه وعنه، ويمتنع ممن انتقل إليه الأصل إلا على التعليل بالمعروف‏.‏

فرع‏:‏

قال المازري‏:‏ وإذا مات المعري والمعرى قام ورثتهما مقامهما‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ من له نخلة في حائط أجاز مالك وابن القاسم شرائها منه بخرصها لقصد المعروف، ومنعه في ‏(‏الكتاب‏)‏ لدفع الضرر لقوة الملك، ومنعه غيرهما للمعروف لأخذ ملك وليس أصله معروفاً ففارق العرية، وأجازه غير واحد للضرورة، وعلى قول مالك هذا يجوز شراؤها بخرصها ممن لم يعره وإن

كان أجنبياً لقصد المعروف، ومن نفسه إذا باع المعرى عريته بعد الزهو أو وهبها جاز لمعريه شراؤها بخرصها ممن صارت إليه، كمن وهبه لسكناه حياته يجوز للمسكن شراؤها عن المشتري أو الموهوب له، كماله شراؤها منه، ويمتنع بيعه لها من غيره‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ زكاة العرية وسقيها على رب الحائط، وإن لم تبلغ نصاباً إلا مع بقيةالحائظ، أعراه شائعاً، أو معيناً، أو جميع الحائط؛ لأن لفظ العرية يقتضى ذلك، ولو تصدق بثمرة حائطه فالزكاة عليه، ولا يحاسب بها المساكين؛ لأن إعطاءه الثمرة ظاهر في تخليصها للمعطى له من الحقوق المتعلق بها، بخلاف الهبة كانت معينة أم لا؛ لأنها ليست معروفاً يناسب الحمل، والأصل‏:‏ وجوب الزكاة على المالك أو الموهوب له ملك، ولا يجوز شراء الهبة بخرصها بل بالعين أو العرض، قال ابن القاسم‏:‏ قال أكابر أصحابنا العرية‏:‏ مثل الهبة، قال اللخمي‏:‏ في ذلك أربعة أقوال‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ سقي الهبة وزكاتها على الواهب كالعرية، ويجوز شراؤها بخرصها؛ لأن العرية هبة، وقال محمد‏:‏ سقي العرية على المعري؛ لأنه وهب ما هو مراح العلل وزكاتها على المعرى؛ لأنه مالك، قال‏:‏ والصحيح أن الزكاة والسقي على المعطى؛ لأنه ملك كما قاله أصحاب مالك، قال صاحب ‏(‏المقدمات‏)‏‏:‏ الفرق بين العرايا والهبات أن العرية تقصد بها المواساة بالثمن لا نفس المعرى، فلا تجب للمعرى إلا بالطيب، فإن قبضها قبل ذلك وجب عليه سقيُها وزكاتها، والهبة يقصد بها

عين الموهوب له، فخرجت عن ملك الواهب ووجبت للموهوب له بالقبض، فإن سماها هبة حملها ابن القاسم على الهبة حتى يتبين قصد العرية، وعكس ابن حبيب نظراً للغالب في هذا الباب، وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ سبب الخلاف في الزكاة‏:‏ أن متولي القيام المخاطب بالزكاة؛ لأنه لما وليها مع نخله فكأنه التزم ذلك فيه، وقيل‏:‏ لأن اللفظ يقتضي ذلك فيتخرج على ذلك ما إذا كانت العرية جملة الحائط‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب ‏(‏المقدمات‏)‏‏:‏ وبما تجب العرية للمعرى أربعة أقوال‏:‏ القبض كالهبة للآثار كقول أشهب في الحبس، وعن ابن القاسم بالطيب أو بقبض الأصول وإن لم يكن فيها تمر، في ‏(‏المدونة‏)‏ بناء على أنه يقصد بها عين المعرى؛ لأن من المواساة من حيث الجملة‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ إذا باع الثمر بعد جواز بيعه فالسقي على البائع؛ لأنه باع تمراً مزاح العلل، وكذلك بيع الأصل فيه تمر مأبور للبائع، قال المخزومي‏:‏ على المشتري؛ لأن السقي أصل النخل، وقال سحنون‏:‏ إذا كانت العرية أو الهبة بيد المعطى يسقي ذلك فالزكاة عليه، أو بيد المعرى أو الموهوب يقوم عليها فالزكاة عليه لكمال ملكه بالحوز‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ من أعرى خمسة أوسق فأجيح الحائط إلا ذلك القدر، قال أبو الفرج‏:‏ ذلك للمعرى؛ لأنه التزم له ذلك الكيل‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ منح لبن الأنعام أعواماً لازم يمتنع الرجوع فيه، وكذلك الإخدام والإسكان والعرية لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏أوفوا بالعقود‏)‏ ويجوز شراء الجميع بالعين والعرض والطعام نقداً مؤجلاً، ويجوز شراء السكنى دار لسكنى دار أخرى، وخدمة عبد بخدمة عبد؛ لأنه باب معروف، وإذا مات المعرى قبل أن يطلع في النخل شيء أو يجوز المعرى عريته، أو فيها تمر لم يطب لكنه لم يجذ، أو قبل حوز المنحة أو السكنى أو الإخدام بطل جميع ذلك وهو للورثة؛ لقول الصديق رضي الله عنه لعائشة رضي الله عنها لما وهبها جادَّ عشرين وسقاً من تمر‏:‏ لو كُنتِ حُزتيه لكان لك، وإنما هو اليوم مال وارث حين حضرته الوفاة، فكان ذلك عاماً في سائر التبرعات، قال صاحب ‏(‏التنبيهات‏)‏‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ لابد من حوز الرقاب ويطلع فيها تمر، وحمل بعضهم ‏(‏الكتاب‏)‏ عليه، وقال أشهب‏:‏ حوز أحد الأمرين كاف‏:‏ إما الرقاب أو طلوع التمر، وحمل أبو عمران الكتاب عليه، قال صاحب ‏(‏النكت‏)‏‏:‏ قال بعض الأندلسيين‏:‏ قول ابن القاسم في شراء المنحة بالطعام ضعيف؛ لأنه بيع اللبن بالطعام غير يد بيد بخلاف الشاة اللبون المراد رقبتها، وقال بعض الأندلسيين‏:‏ بل رقبة الشاة ممنوعة منه فشراؤه تخليص للرقبة، وشراء هذه الأمور ليس رجوعاً في الهبة المنهي عنه؛ لأن النهي خاص بهبة الأصول، وأما المنافع والغلات فلا؛ لإباحته شراء العرية‏.‏

النظر الثالث‏:‏ في وضع الجوائح

وهي من الجوح، قال صاحب ‏(‏الصحاح‏)‏‏:‏ الجوح بسكون الواو‏:‏ الاستئصال، جُحت الشيء أجوحُه، والجائحة هي الشدة التي تجتاح المال في فتنة أو غيرها، ويقال‏:‏ جاحته الجائحة وأجاحته بمعنى، وكذلك جاحه الله وأجاحه واجتاحه إذا أهلكه بالجائحة، وفيه ثلاثة فصول‏:‏ في حقيقتها وقدرها ومحلها‏.‏

الفصل الأول‏:‏ في حقيقتها المرادة في الثمار

ففي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ هي ما لا يستطاع دفعُه إن علم به، فلا يكون السارق جائحة على هذا، وجعله في ‏(‏الكتاب‏)‏ جائحة، وقال مطرف وعبد الملك‏:‏ هي الآفة السماوية كالمطر وإفساد الشجر دون صنع الآدمي، فلا يكون الجيش جائحة، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ جائحة، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ الجائحة الموضوعة‏:‏ كالجراد والنار والريح والبرد والغرق والطير الغالب والدود وعفن الثمرة والسموم، قال اللخمي‏:‏ قال ابن شعبان الريح ليس بجائحة قال وأرى أن أصابها ذلك له الرد بالعيب، أو يتمسك ولا شيء له، وكذلك السموم، وإن لم يسقط منه شيء، وإن أفسد الثلث وأعاب الباقي كان له الرجوع بالهالك، ويخير في الباقي، وكذلك الغبار، واختلف إذا أسقطها الريح ولم تتلف، قال ابن شعبان‏:‏ جائحة، وقال عبد الملك‏:‏ ليس بجائحة لبقاء عين الثمرة، وقيل‏:‏ يخير كالعيب، واختلف في الماء يباع يسقى به مدة معينة فينقص عن ذلك، قيل‏:‏ من البائع قليله وكثيره؛ لأن السقي مشترى، وقيل‏:‏ إن كان أقل من الثلث لم يحط عنه شيء؛ لأن الماء المحصور يتوقع المشتري نقصه كما يتوقع نقص الثمرة، قال ابن يونس‏:‏ لو مات دود الحرير كله، أو أكثره والورق لا يراد له‏:‏ الأشبه أنها

جائحة، كمن اكترى فندقاً فحلاً البلد لتعذر قبض المنفعة، قال‏:‏ وكذلك عندي لو انجلى أهل الثمرة عنها، ولم يجد المشتري من يبيعه‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ في قدرها

وفي ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ لا تحديد فيها إن كانت بسبب العطش، بل توضع مطلقاً؛ لأن السقي مشترى، والأصل‏:‏ الرجوع بالمشترى أو أجزائه إذا لم تقبض، كانت تشرب من العين أو من السماء ومن غير العطش يسقط منها الثلث فما فوق دون ما دونه، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا توضع الجائحة مطلقاً وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال أيضاً‏:‏ يوضع القليل والكثير‏.‏

احتجا بما في ‏(‏الموطأ‏)‏‏:‏ ‏(‏قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ ابتاع رجل ثمرةً فنقصت عليه، فسأل البائع أن يضع عنه، فحلف البائع أن لا يضع فذهبت أم المشتري إليه عليه السلام فقال‏:‏ تألى أن لا يفعل خيراً، فسمع رب الحائط فقال‏:‏ يا رسول الله هو له‏)‏ وجه الدليل‏:‏ أنه عليه السلام لم يلزمه ذلك، وبقوله عليه السلام‏:‏ أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه‏؟‏

فأثبت المال له مع ذهاب الثمرة‏:‏ فدل أنها لا توضع الجائحة، والقياس على سائر العيوب الحادثة بعد القبض في غير صورة النزاع، أو بالقياس على العطش، ومحل الأخبار الواردة بوضع الجوائح أنها أصابتها قبل القبض، جمعاً بينها وبين القواعد، والجواب عن الأول‏:‏ أنه لم يقل أن النقص بالجائحة المذهبة للثلث فلعله حوالة سوق أو جائحة دون الثلث، ولم

يتعرض اللفظ لشيء من ذلك فسقط الاستدلال، وعن الثاني‏:‏ أنه حجة عليكم؛ لأنه جعل المال لأخيه دونه بسبب الجائحة، ثم إنه معرض بما في مسلم‏:‏ قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏لو بعت من أخيك تمراً ثم أصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، إنما تأخذ مال أخيك بغير حق‏)‏ وفي ‏(‏الأحكام‏)‏ لعبد الحق من رواية ابن حبيب‏:‏ قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏إذا أصيب ثلث الثمرة فقد وجب على البائع الوضيعة‏)‏ وعن الثالث‏:‏ الفرق بأن الثمرة بقي فيها حق توفية من السقي واستحقاق البقاء إلى اليبس فلم يقبض، وعن الرابع‏:‏ الفرق بأن المشتري دخل على سقوط بعض الثمرة بالريح وغيره بخلاف العطش، وعن الخامس‏:‏ أن قبض الثمرة إنما يتحقق بجد الثمرة ويبسها، وأما قبل ذلك‏:‏ ففيها حق توفية البقاء، فحمل الأحاديث على ما قبل القبض موافق لما قلناه، فلا يرد علينا، وأقوى ما لهم ما في مسلم في الذي اشترى ثمرة فأصيبت، فقال عليه السلام‏:‏ ‏(‏تصدقوا عليه، ثم قال لغرمائه‏:‏ ‏(‏خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلإ ذلك‏)‏ وجوابه‏:‏ أنها قفية عين، فيحتمل أنه اشتراها بعد اليبس، ونحن نقول به، ويقال‏:‏ إن هذا الرجل معاذ بن جبل، ويتأكد مذهبنا بأن المشتري دخل في العادة على سقوط

الثمار بعفن أو ريح أو طير، وما دخل عليه لا يسقط عنه، ويتأكد الانتقال إلى ما هو أكثر منه، والثلث معتبر في صور الوصية وغيرها، فيعتبرها هنا، ولأنه لا يصدق في العادة أن ثمرة فلأن أجيحت إلا إذا ذهب منها ماله بال، قال اللخمي‏:‏ وليس كذلك البقول؛ لأن العادة سلامتها فيوضع الجميع وإن قل، قال‏:‏ وتعليلهم الثلث بأن المشتري دخل على السقوط يلزم عليه أن يسقط مقاله فيما يهلك غالباً

كان ربُعاً أو ثلثاً أو غيره، ويسقط عنه الزائد عليه، فإذا كانت العادة الربع، وهلك الثلث سقط عنه نصف السدس، ويلزم أن يفرق بين ما شأنه السقوط كالزيتون والتمر، وما ليس كذلك كالرمان‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ توضع جائحة البقول وإن قلت؛ لأن العادة سلامة الجميع، وعن مالك‏:‏ لا يوضع إلا ما وصل الثلث قياساً على الثمار، وفي ‏(‏الجلاب‏)‏‏:‏ لا يوضع شيء قياساً على العروض، وقال ابن القاسم‏:‏ ما جازت مساقاته للضرورة وغيرها، فكالتمر والموز، لا تجوز مساقاته، ولا توضع جائحة حتى تبلغ الثلث، قال‏:‏ ولا وجه لمراعاة الثلث لندرة ما يذهب، ولا ملاحظة المساقاة؛ لأنهما يختلفان، وإن كان المشتري يسقيها في خلال ذلك سقط عنه قدر ذلك؛ لأن إزاحة علة السقي على البائع‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب ‏(‏النكت‏)‏‏:‏ في تعجيل التقويم فيما بقي بطون المقتاة، أو يتأخر إلى آخر البطون، قولان‏:‏ أصحهما التأخير لتوقع زيادة الجائحة، أو

يقال‏:‏ الأصل السلامة‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا اشترط عدم الجائحة أو السقي‏:‏ قال مالك‏:‏ الشرط في الجائحة باطل، وعنه‏:‏ البيع فاسد؛ لأنه على خلاف مقتضى العقد، وقال ابن شهاب‏:‏ يجوز الشرط والبيع؛ لأنه حق اشتراطه كاستثناء ركوب الدابة، قال‏:‏ وأرى أن يكون البائع مخيراً بين إسقاط الشرط وتكون الوضيعة منه، أو يرد البيع ويكون له بعد الفوت الأكثر من القيمة أو الثمن؛ لأن سبب الأمرين وجه، وأما اشتراط السقي فهل تكون الجائحة من البائع لأن للأصول تأثيراً في الضمان مع الماء، أو من المشتري؛ لأن الماء هو الأصل والشجر كالمعين له إلى الثمرة‏؟‏ وقد سقط بالشرط‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏الجواهر‏)‏‏:‏ إذا زادت الجائحة على الثلث فأصابت معظم الثمرة لزمت المبتاع بقيمتها بخلاف استحقاق معظم الصبرة أو طعام على الكيل قبل بذر معظمه قبل الكيل، فإنه لا يلزم المبتاع، والفرق‏:‏ أن الجوائج معتادة، والاستحقاق غير معتاد لم يُدخل عليه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قيل‏:‏ لا يسقط من المستثنى شيء، وإن أجيح معظم الثمرة على الخلاف هل المستثنى مبيع أو مبقى‏؟‏

نظائر‏:‏ قال أبو عمران‏:‏ الثلث في حيز الكثير في ثلاث مسال كلها‏:‏ آفات الجائحة، وحمل العاقلة، والمعاقلة بين الرجل والمرأة، وفي حيز القلة في ست مسائل‏:‏ الوصية، وهبة المرأة ذات الزوج إذا لم ترد الضرر، فإن أرادت الضرر فقيل‏:‏ يجوز، وقيل‏:‏ يمتنع ولو بدرهم، واستثناء ثلث الصبرة إذا بيعت، وكذلك الثمار والكيراش والسيف إذا كان ثلث وزنه حلية يجوز بيعه بجنس الحلية، وقيل‏:‏ ثلث قيمته، قال العبدي‏:‏ وكذلك الطعام إذا استحق منه، أو نقص في الشراء عند أشهب، والأرطال إذا استثناها من الشاة، والدالية تكون في دار الكراء، وتوقف في ذلك مرة فتصير مسائل القلة تسعة‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ ما كان بطوناً كالمقاثي والورد والياسمين، أو بطناً لكنه لا يخرص ولا يدخر ولا يحبس، أوله على آخره، كالتين والتفاح والرمان والخوخ والموز فأجيح من النبات الثلث حُط من الثمن قدر قيمته في زمانه، كانت أقل من الثلث أو أكثر، وإن أجيح أقل من الثلث لم يوضع وإن زادت القيمة على الثلث، وراعى أشهب القيمة فما بلغ ثلث القيمة وضع؛ لأن القيمة هي المالية التي تتعلق بها الأغراض، والمشهور‏:‏ يراعى ظاهر لفظ الحديث فإن هبة

الثلث وبيع الثلث إنما يتناول العين دون القيمة إجماعاً، وكذلك الجائحة، وما كان بطناً واحداً لا يتفاوت طيبه، ولا يحبس أوله على آخره، فثلث النبات بثلث الثمن من غير تقويم، إذ التقويم حيث تتفاوت أزمنته، أو تتعدد أنواعه، وما يبس ويترك حتى يُجذ جميعه كان يُخرص أم لا، كالنخل والعنب والزيتون واللوز والفستق والجوز ونحوها فلا يتقوم أيضاً، وللمبتاع تعجيل الجذاذ وتأخيره حتى ييبس، وإذا كان في الحائط أصناف من الثمر‏:‏ برني وصيحاني ونحوهما، فأجيح أحدهما وهو ثلث كيل الجميع وضع من الثمن قيمته لاختلاف قيم الأصناف، وأصل هذا‏:‏ أنما يُترك أوله ولا يتجدد لا يكون فيه فساد فكالنخل، وما يتعذر ترك أوله على آخره فهو كالمقاثي، وكذلك كراء الأرض سنين فتعطش منه سنة، والسنون مختلفة القيمة، قال ابن يونس‏:‏ مذهب أشهب القيمة يوم العقد، قال محمد‏:‏ وأما الأنواع من النخل والعنب في الحائط وقيمة النوع المجاح لو لم يُجح ثلث قيمة الجميع وأجيح ثلثه يوضع ثلث ذلك من قيمة باقية من الثمن، وإن كان أقل من ثلث ثمرته أو قيمة جميعه لا تصل ثلث قيمة الصفقة لم يوضع؛ لقول ابن القاسم فيمن اكترى داراً فيها ثمرة فاشترطها وهي أكثر من الثلث فأُجيح ثلثها وضع جميع ما ينوب المجاح من قيمة الثمرة والكراء، وإن أجيح منها أقل من ثلث الثمرة أو كانت الثمرة كلها أقل من الثلث لا جائحة فيها، قال اللخمي‏:‏ الجنس الذي لا ييبس كالمقتاة يُقوم أول الإبان من آخره، وما ييبس فثلث النبات بثلث القيمة إلا أن يختلف الأول والآخر فيقوم كل بطن وحده من غير مراعاة الأسواق، وإن كان

التمر يراد تعجيل بعضه ليباع رطبا اعتبر اختلاف أوله وآخره، وعن مالك‏:‏ إذا كان الحائط عنباً ورماناً وغيرهما، وقد طاب وحل بيعه، وقد جمعتها الصفقة لا يضم بعضها لبعض في الجائحة، بل إن هلك ثلث كل نوع اعتبر، وإلا فلا يضر لاختلاف الأنواع، وقال أصبغ‏:‏ بل يعتبر ثلث الجميع، وإن كانت حوائط لاتحاد الصفقة‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ في محل الجائحة

قال صاحب ‏(‏المنتقى‏)‏‏:‏ توضع الجائحة في كل ما يحتاج للبقاء كالعنب والبطيخ والفول والياسمين والجلبان والبقول والبصل والجوز والقصيل، قال اللخمي‏:‏ بيع الثمار بعد الإزهار فيها الجائحة، احتاجت إلى السقي أم لا؛ لأنها تتأخر لتصير ثمراً ففيها حق توفية، لأن ذلك مبيع لم يُقبض فيكون الضمان من البائع، فإن لم تبق حالة ينتقل إليها بل يستكمل جفافها لئن لاً تفسد إن جُذت فهل الجائحة لما بقي من البائع أو من المشتري لكمال العيم المبيعة‏؟‏ خلاف، فإن تم الجفاف ولم يبق إلا الجذاذ وهو على المشتري أو على البائع، وهي محبوسة بالثمن فخلاف لبقاء الجذاذ على البائع، أو للحبس في الثمن فهو غير ممكن من الثمرة، أو نقول‏:‏ هي كالرهن ضمانها من المالك، والعنب إن أجيح قبل استكمال عنبته فمن البائع، وإن استكمل وكان بقاؤه ليأخذ على قدر حاجته لئن لاً يفسد عليه، بخلاف إن كانت العادة بقاءه لمثل ذلك، وإلا فمن المشتري، وكذلك الزيتون إن أُصيب قبل أن يكمل زيته فمن البائع‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا توضع الجائحة في قصب السكر؛ لأنه يمتنع بيعه قبل طيبه، وليس ببطون، وهو قبل طيبه كالتمر قبل زهوه، وإذا بدت حلاوته فهو

زمان قطعه، قال ابن يونس‏:‏ فيه ثلاثة أقوال‏:‏ ما تقدم، وقال سحنون‏:‏ هو كالبقول والزعفران والريحان، توضع وإن قلت؛ لأنه بقل كالجزر والبصل، وقيل‏:‏ توضع إذا بلغت الثلث كالتمر، قال‏:‏ وهو القياس؛ لأنه يحتاج إلى السقي، ويجمع شيئاً فشيئاً، وتكمل حلاوته كالثمار، قاله ابن حبيب، قال اللخمي‏:‏ وهو الصحيح، إلا أن يكون لا يزيد حلاوة، وإنما يؤخر ليجمع شيئاً فشيئاً فكالبقول، وإن كان بقاؤه لشغل المشتري عنه فمصيبته منه‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب ‏(‏النكت‏)‏‏:‏ الفرق بين اشتراط المشتري‏:‏ ما أزهى من الثمار لا جائحة فيه، كان تبعاً للأصل أم لا، وبين المكترى يشترط ثمرة الدار فيها الجائحة إن كانت غير تبع للكراء، وقد طابت حين العقد‏:‏ أن الثمرة متولدة من الشجر فيبيعها بخلاف الكراء‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا ابتاع قطنية خضراء على أن يقطعها خضراء توضع فيها الجائحة إذا بلغت الثلث، ولا يجوز اشتراط تأخيرها لليبس، قال ابن يونس‏:‏ فلو فعل كانت من البائع؛ لأنه بيع فاسد لم يقبض، وكذلك الثمار، وإن كانت الجائحة أقل من الثلث؛ لأن الثلث مختص بالبيع الصحيح في المزهي من الثمار وبلحها؛ لأن البلح والبُسر ونحوهما إنما يُجذ شيئاً فشيئاً لئن لا يفسد‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا اشترى عرية بخرصها، قال ابن القاسم‏:‏ توضع الجائحة؛ لأنه مشتر، ومنع أشهب؛ لأنه اشترى ما لا سقي فيه على البائع‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا تزوجت بثمرة‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ المصيبة منها؛ لأنه باب محاسنة، وقال عبد الملك‏:‏ من الزوج، ولأنه بائع‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ الجائحة في ورق التوت الذي يباع ليجمع أخضر لدود الحرير كجائحة البلح‏:‏ الثلث فصاعدا، وليس كالبقل؛ لأنه من الشجر كالثمار، وعن ابن القاسم كالبقل توضع وإن قلت لشبهة بالبقل‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا اشترى حين الزهو، وأجيح بعد إمكان الجذاذ فلا جائحة فيه؛ لانتفاء جائحة البقاء، والتفريط من المالك‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ لا جائحة فيما يُباع بأصله، ولا فيما اشترطه المبتاع من مأبور الثمار لقبض المبيع بجملته، ولم يبق على البائع حق من سقي ولا غيره‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا اشترى قبل بدو الصلاح على القطع من حينه، فأجيح، وضعت الجائحة، قال اللخمي‏:‏ قال سحنون‏:‏ معناه يجذه شيئاً بعد شيء ولو دعاه البائع لأخذه مرة لم يجب لئن لا يفسد، ومعنى قوله‏:‏ يجذه من حينه أي‏:‏ يجذ بعضه‏.‏

فرع‏:‏

في‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا اشترى نخلاً مأبوره فله شراء تمرها قبل الزهو، ولا جائحة فيها لعدم تعلقها بالبائع، قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ إذا اشترى الثمرة وقد طابت ثم اشترى فيها الجائحة لوجوبها قبل شراء الأصل، وعن ابن القاسم‏:‏ إن اشترى الأصل ثم الثمرة إن كانت غير مزهية فلا جائحة، وإلا ففيها الجائحة، لأن السقي باق على البائع، قال اللخمي‏:‏ قال أصبغ‏:‏ إن أجيحت وقد طابت وهي عظيمة ففيها الجائحة؛ لأنها تشبه الثمار، أولا قدر لها فهي تبع لا جائحة فيها‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا اشترى عشرة أوسق من حائط فأجيح بعضه بدى من الباقي بالمبيع من غير جائحة، لوجوب ذلك على البائع بالعقد، فإن كانا مشتريين بدئ بالأول، فإن فضل شيء فللثاني؛ لتقرر حق الأول قبل الثاني‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ فإن باع حائطاً جزافاً واستثنى منه مكيلة الثلث فأُجيح بدئ بالبائع؛ لأن المستثني كالمشتري وتختص الجائحة بما بقي، فإن كانت ثلث الباقي سقط، وإلا فلا، وقيل‏:‏ تقسم الجائحة على البائع والمشتري؛ لأن كل واحد منها بائع لصاحبه، فإن كان الحائط ثلاثين وسقاً واستثنى عشرة وأجيح تسعة كان حصة المبيع ستة دون الثلث، فلا يرجع بشيء، وإن أجيح عشرة كانت الحصة سبعة إلا ثلثاُ وهو ثلث المبيع فيسقط، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا اشترى نصف حائطه أو ثلثه فالجائحة عليهما إن كانت أقل من الثلث، ولا يرجع من الثمن بشيء، وإن أجيح الثلث سقط ثلث الثمن، أو النصف فنصفه؛ لأنهما شريكان، بخلاف الصبرة الجائحة عليها قلت أو كثرت؛ لأن الجوائح من سنة الثمار، فإن باع الحائط بعد يبسه واستثنى كيل الثلث فأقل فأُجيحت قال ابن حبيب‏:‏ لا يوضع من الثمن شيء كالصبرة‏.‏

فرع‏:‏

في ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ إذا اكترى أرضا ثلثها سواد فإدنى واشترطه جاز ذلك، فإن أثمر وأجيح كله فلا جائحة فيه؛ لأنه كان تبعا، فإن لم يكن تبعا واشترط ثمرته ولم يزه فسد العقد كله، وإن أزهى صح لجواز بيع الثمرة حينئذ، فإن أجيح قسم الكراء على الثمرة والأرض، فإن كانت الثمرة ثلث حصة الثمرة وضع ثلث حصتها من الثمن‏.‏